حظر "إكس" للقسام- قمع رقمي أم مقاومة تفرض سرديتها؟

المؤلف: لينا أبو بكر11.16.2025
حظر "إكس" للقسام- قمع رقمي أم مقاومة تفرض سرديتها؟

في خطوة أثارت جدلاً واسعاً، أقدمت منصة "إكس" على حظر حساب تابع لكتائب القسام بعد ساعات قليلة من إنشائه في الرابع من يناير/كانون الثاني، معللة ذلك بانتهاك القوانين. هذا الإجراء أثار استياءً واسعاً بين النشطاء الغربيين الذين تساءلوا عن الأسباب الكامنة وراء هذا الحظر، الأمر الذي دفع إيلون ماسك للرد بأن المنصة لا تعترف بمن تدرجهم الأمم المتحدة على قوائم الإرهاب. هذا التبرير أثار موجة من الانتقادات الحادة، حيث اتهم ماسك بالتناقض والتواطؤ مع حسابات صهيونية متطرفة تنشر خطاب الكراهية وتحرض على العنف والإرهاب.

المثير للدهشة أن هناك العديد من الحسابات التابعة لجماعات استيطانية، والتي تصنف على أنها فاقدة للشرعية القانونية وفقاً لقوائم واتفاقيات الأمم المتحدة، لا تزال نشطة وغير محظورة على المنصة. بالإضافة إلى ذلك، هناك جهات أخرى مصنفة في القوائم السوداء، مثل بعض الجهات الإيرانية والداعشية، والتي لا تزال تتمتع بحرية التعبير على المنصة. حتى حركة "فتح" نفسها، كما يذكر سفيرها في لندن حسام زملط، مسجلة كمنظمة إرهابية. هذا التناقض يثير تساؤلات مشروعة حول المعايير التي تعتمدها المنصة في تحديد الجهات التي يُسمح لها بالتواجد والتعبير عن آرائها، وتلك التي يتم حظرها ومنعها من التواصل مع الجمهور.

إن السبب الحقيقي وراء هذا الحظر قد يكمن في الخوف من المؤثرين الحقيقيين الذين يتم تغييبهم عن الساحة الإعلامية، والذين يعتمدون على منصات التواصل للتأثير في الرأي العام. هذه المنصات غالباً ما تفضل تفعيل نماذج وهمية بمواصفات رقمية لا تحمل أي قيمة حقيقية، وذلك بهدف الترويج لأجندات معينة وخدمة مصالح محددة. لذلك، يسارع قراصنة منصات التواصل إلى قطع الروابط التفاعلية مع النماذج التي لا تصب في صالحهم، وذلك من خلال صناعة صحافة بديلة تخدم مصالح الشركات الكبرى والصحف المشهورة، وتعمل على خلق مواضيع أخرى للتداول، تماماً كما وصف أستاذ الصحافة البريطاني تيم لوكهيرست أثر الصحف في الحرب العالمية.

إن تسليط الضوء على انقطاع التيار الكهربائي أثناء الاستحمام يصبح أكثر أهمية وتفاعلية من تسديدة تدمر دبابة ميركافا، هذه هي اللعبة التي يعيدون من خلالها تدوير الأصنام والعبيد ببراعة خوارزمية. في هذا النظام، يصبح الإنسان مجرد رقم، بينما يتم تجاهل قضايا حقيقية مثل قضية "حماس" التي تعيش معنا على نفس الكوكب، ولكنها تقع خارج نطاق اهتمامهم الرقمي. فهل نجح أسلوب الحظر في مصادرة تأثير "حماس" التي تفوقت في اللعب خارج قوانينهم وميادينهم؟

بالإضافة إلى العوامل الأخرى، طورت المقاومة الفلسطينية نهجاً مبتكراً لمواجهة أساليب القمع والاستلاب، حيث وجهت ضربة قوية للإعلام الإسرائيلي والغربي والمنصات الرقمية على حد سواء. لقد خاضت المعركة الإعلامية باستقلالية تامة، معتمدة على صياغة ونقل الأحداث بأيدي مناضليها، وبالتالي تمكنت من تصدير روايتها بنفسها وتوثيق التاريخ بلسان أبطاله، وليس بلسان لصوصه.

لقد تمكنت المقاومة من تصوير المعارك الميدانية والأداء البطولي لجنودها، ونشرها عبر قناة الجزيرة وقنواتها على تطبيق "تليغرام"، مستخدمة التكنولوجيا ضد مخترعيها، ومسقطة بذلك وصايتهم المطلقة على السردية الإعلامية، ومعيدة الاعتبار للحقيقة وأصحابها. وبهذا، قلبت "حماس" الطاولة على المتآمرين الذين يسعون إلى تضليل الوعي وصرفه عن القضايا الجوهرية، وذلك من خلال صناعة ماركة إعلامية خاصة بها، تتميز بأسلوب إيحائي مشحون بالرسائل والدروس، والتي لا تقل أهمية عن قذائف الياسين.

هذه الماركة الإعلامية كان لها تأثير كبير في تغيير مواقف الكثيرين، فبدلاً من تجنب إدانة المقاومة، أصبحوا يدافعون عنها صراحة. وبدلًا من أن يكون لكتائب القسام حساب تفاعلي واحد، أصبح لها آلاف الحسابات التي تعود لمتفاعلين بأرصدة مليونية من المتابعين والمشاهدات، والذين يتناقلون ما تنشره المقاومة ويحتفون بإنجازاتها، بمختلف اللغات والتأملات الإبداعية المدهشة، مما أعاد الاعتبار للبطل كنموذج يُحتذى به، وليس كصنم يعبد.

هذه التطورات أثارت قلق "العقل الروبوتي" الذي تورط في تكريس المقاومة وترسيخها من خلال محاولة تغييبها وإقصائها. وكما يقول المثل، "قل لي من عدوك أقل لك من تكون!"

معتز العزايزة وَأوين جونز

في سياق متصل، أثارت آراء الناشط الفلسطيني معتز العزايزة التي هاجم فيها المقاومة، احتجاجات واسعة في الأردن، مما أدى إلى طرح تساؤلات حول ازدواجية المعايير، حيث يتساءل البعض عن سبب دعم العرب والمسلمين لمؤثر رقمي بريطاني مثل أوين جونز، الذي يدعم القضية الفلسطينية، بينما يجدون صعوبة في استيعاب آراء العزايزة.

لا شك أن هناك مرونة يبديها العربي حين يرى صحفياً غربياً ينحاز إلى قضيته بتفانٍ تام، خصوصاً إذا قارنا حوار جونز مع بيرس مورغان بأداء العزايزة مع شبكة "سي إن إن". فبينما رفض جونز إدانة "حماس" وواجه مورغان بجرائم الاحتلال، حضر العزايزة ضيفاً مدللاً على "سي إن إن" التي سألته عما إذا كانت "إسرائيل" تستهدف المدنيين مباشرة، فأجاب: "حين تريد إسرائيل استهداف أحد ما لا يهمها المدنيون المتواجدون في المكان، فهي تقتل الآلاف من أجل شخص!".

من الطبيعي ألا يستنكر المذيع هذا التمييع، فالسؤال الأهم هو: عندما نبشت إسرائيل القبور وسرقت الأعضاء وتركت جثامين الأطفال لتتحلل في المستشفيات ثم قنصت العجزة والنساء الحوامل قنصاً مباشراً، واغتالت الصحفيين بطائرات مسيرة، هل كانت تستهدف أحد عناصر حماس؟

إن القضية ليست في كون معتز صحفياً من غزة، بل في أن الواجب الصحفي يحتم على صاحبه الانحياز لما لا يمكن أن يُعَدّ مُجرد وجهة نظر أو حيادية، بل قيمة مطلقة كما رآه أرسطو. فالالتزام بهذا الواجب هو شرف المهنة، أما التعبير عن رأي الجبهة التي ينتمي إليها المرء فهو حق مكفول، ولكنه لا يجعل من صاحبه صحفياً، بل ناطقاً إعلامياً لجبهته، وهناك فرق كبير بين الدورين.

الأمر المثير للعجب هو ظهور معتز على قناة الجزيرة مباشر بعد مغادرته غزة، حيث تحول النموذج الرقمي إلى لغة حية ومختلفة تماماً عما رأيناه قبل ذلك. فهل ستصنع هذه التجربة معجزة إعلامية جديدة، تهزم بها خوارزميات وروبوتات مارك وماسك؟!

عبودية ديجتال ليست للدحدوح

هل الهدف هو الوصول إلى العالم أم أن يصل العالم إليك؟! هل الأهم هو الشهرة أم الرسالة؟ اللغة أم الكاريزما التي عادة ما يتميز بها شخص دون غيره في مجاله، وتكرسه آلة أُخطبوطية، تفرضه كنموذج للاقتياد لا الاقتداء كما يُفترض. إنه استلاب بأساليب خبيثة لبطل بلا بطولة سوى عبودية ديجتال تسيطر على اهتمامات الناس وتُحوّر معاييرهم، فأين وائل الدحدوح من كل هذا؟!

هناك أيقونية مُثُل ورموز، وهناك أيقونية تماثيل وأرقام، أما صحافة "الشوارع" التي أُطلِقَ عليها فيما بعد "صحافة المُواطن"، فأريد لها أن تكون إصلاحية ثورية، ليس ضد الرقابة الحكومية بل ضد القيود الدينية والثقافية. ولذلك يعتبرها خبراء علم الاجتماع أفضل حركة اجتماعية منظمة في تاريخ العالم الحديث، إذ تسخر المواطن لأجندتها.

من المثير للاهتمام أن الصفوة في الغرب رفضوا هذا النوع من الصحافة البديلة وأطلقوا عليه "الحملات الصليبية المدنية" لطابعها المهيمن، والذي ربما كان أقوى من سيطرة الجيش والكونغرس على وسائل الاتصال والنشر إبان الحرب العالمية الثانية!

نموذج "وائل الدحدوح" هو استثناء، فهو ابن الواقع وشهيده، وهو الشاهد الميداني على الأحداث، وهو الصحفي الملتزم حتى في أصعب اللحظات. لم يوظف رسالته لتصفية حسابات شخصية مع القاتل، بل تجرد من رأيه وألمه وانحاز لميثاق الشرف المهني، فاستطاع بذلك أن يكون سفيرًا وبطلاً للصحافة الشهيدة، ونموذجاً حياً عن "إنسان غزة" الذي ينهض من الموت ليستمر في رحلة الحياة بشغف ووفاء للذين ضحوا في سبيلها. إنه مثال قوي خارق للفلسطيني الأمين حتى وهو غير آمن.

إنه وحدة ملحمية تتماهى فيها ومعها فلسطين المقاومة بكل مكوناتها، مما يُكرس الجميع بالنموذج، وليس العكس. أما صانع المحتوى فيفرض ذاتيته السلطوية، بما يشبه "الباراديغم" النموذج القابل للاستنساخ والمحاكاة عبر "الصحفي الأنا- السيلفي"، والذي يراه الباحثان في علم الاجتماع "جيل ماست ومارتينا تيميرمان" قوة متجددة تناسب روح ما بعد الحداثة، مما سيضطر العالم للتنازل عن "المعيار الذهبي" للصحافة: الموضوعية!

صحافة الأنا وإن كانت استثماراً معرفياً وعاطفياً لممارسات ابتكارية، فإنها تطرح إشكالات مهنية تتعلق بالمصداقية والحِرفية والضوابط القانونية، والخط الفاصل بين الأنا والمجتمع. بينما يرى لوكهيرست أن سيطرة بريطانيا على الصحف الرسمية خلال الحرب سخافة دستورية، وأن الصحافة الشعبية صقلت أوراق اعتماد بريطانيا بنسختها الديمقراطية لا الإمبريالية، لتبشر بطوفان صحافة بديلة منذ تهافتَ مراسلو المؤسسات الصحفية الكبرى إلى المطارات للحصول على صور وفيديوهات من هواتف العائدين من تسونامي، لبثها على قنواتهم.

فهل منصات التواصل واجهة أليفة تخفي وراءها غابة من أحفاد طرزان الجدد، الذين يرتدون البذلات وربطات العنق ويشربون الشامبانيا، ويراقصون حوريات "الكيت كات"، ولكنهم لا يعترفون بمرافعات محكمة لاهاي ضد الجرائم الصهيونية؟!

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة